صورة عن مقام النبى صلى الله عليه وسلم فى دار أبى أيوب
روى أبو بكر ابن أبى شيبة وابن إسحاق و الإمام أحمد ابن حنبل من طرق متعددة بألفاظ متقاربة أن أبا أيوب رضى الله عنه قال وهو يحدث عن أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتى فى أسفل البيت وأنا وأم أيوب فى العلو ’ فقلت له : يانبى الله بأبى أنت و أمى إنى لأكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتى ’ فاظهر أنت فكن فى الأعلى ’ وننزل نحن نكون فى السفل ’ فقال : يا أبا أيوب ’ إنه لأرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون فى أسفل البيت .
قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفله وكنا فوقه فى المسكن ’ ولقد إنكسرت جرّة لنا فيها ماء يوما ’ فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ’ ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء ’ تخوفاً أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شىء فيؤذيه ’ فنزلت إليه وأنا مشفق ’ فلم أزل أستعطفه حتى إنتقل الى العلو . قال : وكنا نضع له العشاء ’ ثم نبعث به إليه ’ فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغى بذلك البركة ’ حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلاً وثوماً ’ فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر ليده فيه أثر ’ فجئته فزعاً فقلت يا رسول الله بأبى أنت و أمى ’ رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك ’ وكنت حينما ترد علينا فضل طعامك أتيمم أنا وأم أيوب موضع يدك نبتغى بذلك البركة ’ فقال : إنى وجدت فيه ريح هذه الشجرة ’ وأنا رجل أناجى ’ فأما أنتم فكلوه ’ قال : فأكلناه ’ ثم لم نضع فى طعامه شيئاً من الثوم أو البصل بعد .
العبر و العظات :
تحدثنا فى فصل سابق ’ عن معنى الهجرة فى الإسلام ’ عند تعليقنا على هجرة المسلمين الأولى الى الحبشة ’ وقلنا إذ ذاك ما خلاصته : إن الله عز وجل جعل قداسة الدين و العقيدة فوق كل شىء ’ فلا قيمة للأرض و الوطن و المال و الجاه إذا كانت العقيدة وشعائر الدين مهددة بالحرب و الزوال ’ ولذا فرض الله على عباده أن يضحوا بكل ذلك - إذا إقتضى الأمر - فى سبيل العقيدة و الإسلام .
وقلنا أيضا أن سنة الله تعالى فى الكون إقتضت أن تكون القوى المعنوية التى تتمثل فى العقيدة السليمةو الدين الحق هى المحافظة للمكاسب و القوى المادية ’ فمهما كانت الأمة غنية فى خلقها السليم متمسكة بدينها الصحيح فإن سلطانها المادى المتمثل فى الوطن والمال و العزة يغدو أكثر تماسكاً وأرسخ بقاءاً وأمنع جانباً . ومهما كانت فقيرة فى أخلاقها مضطربة تائهة فى عقيدتها فإن سلطانها المادى المتمثل فيما ذكرناه يغدو أقرب الى الإضمحلال و الزوال ’ وقلنا إن التاريخ أعظم شاهد على ذلك .
ولذلك شرع الله عز وجل مبدأ التضحية بالمال و الأرض فى سبيل العقيدة و الدين عندما يقتضى الأمر ’ فبذلك يضمن المسلمون لأنفسهم المال و الطن و الحياة ’ وإن بدا لأول وهلة أنهم تعروا عن كل ذلك وفقدوه .
وحسبنا دليلاً على هذه الحقيقة هجرة رسول اله صلىالله عليه وسلم من مكة الى المدينة ’ لقد كانت بحسب الظاهر تركاً للوطن وتضييعاً له ’ ولكنه كان فى واقع الأمر حفاظاً عليه وضمانة له ’ ورب مظهر من مظاهر الحفاظ على الشىء يبدو فى صورة الترك و الإعراض عنه فقد عاد بعد بضع سنين من هجرته هذه - بفضل الدين الذى أقام صرحه ودولته - الى وطنه الذى أخرج منه ’ عزيز الجانب ’ منيع القوة ’ دون أن يستطيع أحد من أولئك الذين تربصوا به ولاحقوه بقصد القتل أن يدنوا إليه بأى سوء ...
ولنعد الآن الى التأمل فيما سردناه من قصة هجرته صلى الله عليه وسلم لنستنبط منها الدلالات والأحكام الهامة لكل مسلم :
1- من أبرز ما يظهر لنا من قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ’ إستبقاؤه لأبى بكر رضى الله عنه دون غيره من الصحابة كى يكون رفيقه فى هذه الرحلة .
وقد إستنبط العلماء من ذلك مدى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وأنه أقرب الصحابة إليه وأولاهم بالخلافة من بعده ’ ولقد عززت هذه الدلالات أموراً كيثرة أخرى مثل إستخلافه له فى الصلاة بالناس عند مرضه وإصراره على أن لا يصلى عنه غيره ’ ومثل قوله فى الحديث الصحيح
لو كنت متخذاً خليلاً لإتخذت أبا بكر خليلا ) .
ولقد كان ابو بكر رضى الله عنه - كما رأينا - على مستوى هذه المزية التى أكرمه اله بها ’ فقد كان مثال الصاحب الصادق بل و المضحى بروحه وبكل ما يملك من أجل رسول الله صلى الله عليسه وسلم ’ ولقد رأينا كيف أبى إلا أن يسبق رسول الله فى دخول الغار كى يجعل من نفسه فداءاً له عليه الصلاة و السلام فيما إذا كان فيه سبع أو حية أو أى مكروه ينال الإنسان منه الأذى ’ ورأينا كيف جند أمواله وأولاده ومولاه وراعى أغنامه فى سبيل خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الرحلة الشاقة الطويلة . ولعمرى إن هذا ما ينبغى أن يكون عليه شأن كل مسلم آمن بالله ورسوله ’ ولذا يقول رسول الله صلى اله عليه وسلم
لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده و الناس أجمعين ) .
2- قد يخطر فى بال المسلم أن يقارن بين هجرة عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وهجرة النبى صلى الله عليه وسلم ويتساءل : لماذا هاجر عمر علانية متحدياً المشركين دون أى خوف ووجل ’ على حين هاجر رسول الله مستخفياً محتاطاً لنفسه ؟ أيكون عمر ابن الخطاب أشد جرأة من النبى صلى الله عليه وسلم ؟
والجواب ان عمر ابن الخطاب أو أى مسلم آخر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر تصرفه تصرفاً شخصياً لا حجة تشريعية فيه ’ فله أن يتخير من الطرق و الوسائل و الأساليب ما يحلو له وما يتفق مع قوة جرأته وإيمانه بالله تعالى ’ أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مشرّع ’ أى أن جميع تصرفاته المتعلقة بالدين تعتبر تشريعاً لنا ’ ولذلك كلنت سنته هى المصدر الثانى من مصادر التشريع الإسلامى مجموع أقواله و أفعاله وصفاته وتقريره ’ فلو أنه فعل كما فعل عمر ’ لحسب الناس أن هذا هو الواجب ! ... وأنه لايجوز أخذ الحيطة و الحذر ’والتخفى عند الخوف ’ مع أن الله عز وجل أقام شريعته فى هذه الدنيا على مقتضى الأسباب و المسببات ’وإن كان الواقع الذى لا شك فيه أن ذلك بتسبيب الله تعالى و إرادته ’ لأجل ذلك غستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الأسباب المادية التى يهتدى إليها العقل البشرى فى مثل هذا العمل ’ حتى لم يترك وسيلة من هذه الوسائل إلا إعتد بها واستعملها ’ فترك على ابن أبى طالب ينام فى فراشه ويتغطى ببرده ’ واستعان بأحد المشركين - بعد أن أمنه- ليدله على الطرق الفرعية التى قد لا تخطر فى بال الأعداء ’ وأقام فى الغار ثلاثة أيام متخفياً ’ إلى آخر ما عبأه من الإحتياطات المادية التى قد يفكر بها العقل ’ ليوضح بذلك أن الإيمان بالله عز وجل لا ينافى إستعمال الأسباب المادية التى أرادت حكمة الله تعالى أن تكون أسباباً .
وليس قيامه بذلك بسبب خوف فى نفسه ’ أو شك فى إمكان وقوعه فى قبضة المشركين قبل وصوله المدينة ’ والدليل على ذلك أنه عليه الصلاة و السلام بعد أن إستنفد الأسباب المادية كلها ’ وتحلق المشركون حول الغار الذى يختبىء فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه - بحيث لو نظر احدهم عند قدمه لأبصر الرسول صلى الله عليه وسلم - إستبد الخوف بابى بكر رضى الله عنه على حين كان يطمئنه عليه الصلاة و السلام قائلاً : يا أبا بكر : ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ) ولقد كان من مقتضى إعتماده على كل تلك الإحتياطات أن يشعر بشىء من الخوف و الجزع فى تلك الحال .
لقد كان كل ما فعله من تلك الإحتياطات إذاً وظيفة تشريعية قام بها ’ فلما إنتهى من أدائها ’ عاد قلبه مرتبطاً بالله تعالى معتمداً على حمايته وتوفيقه ’ ليعلم المسلمون أن الإعتماد فى كل أمر لا ينبغى أن يكون إلا على الله عز وجل ’ ولكن لا ينافى ذلك إحترام الأسباب التى جعلها الله فى هذا الكون أسباباً . ومن أبرز الأدلة على هذا الذى نقوله أيضاً ’ حالته صلى الله عليه وسلم عندما لحق به سراقة يريد قتله وأصبح على مقربة منه ’ لقد كان من مقتضى تلك الإحتياطات الهائلة التى قام بها أن يشعر بشىء من الخوف من هذا الذى يجد فى اللحاق به بل كان مستغرقاً فى قراءته ومناجاته ربه لأنه يعلم أن الله الذى أمره بالهجرة سيمنعه من الناس ويعصمه من شرهم كما بين فى كتابه المبين .
3- وفى تخلف علىّ رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم فى أداء الودائع التى كانت عنده الى أصحابها دلالة باهرة على التناقض العجيب الذى كان المشركون واقعين فيه ’ ففى الوقت الذى كانوا يكذبونه ويرونه ساحراً أو مخادعاً لم يكونوا يجدون من حولهم من هو خير منه أمانة وصدقاً ’ فكانوا لا يضعون حوائجهم وأموالهم التى يخافون عليها إلا عنده ...! وهذا يدل على أن كفرانهم لم يكن بسبب الشك لديهم فى صدقه ’ وإنما هو بسبب تكبرهم واستعلائهم على الحق الذى جاء به وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم .
4- ثم إننا نلمح فى النشاط الذى كان يبذله عبد الله ابن أبى بكر رضى الله عنه ’ ذاهباً آيباً بين الغار ومكة ’ يتحسس الأخبار و ينقلها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيه ’ وفيما عمدت إليه أخته أسماء رضى الله عنها من الجد فى تهيىء الزاد و الراحلة واشتراكها فى إعداد العدة لتلك الرحلة - نلمح فى ذلك صورة مما يجب أن يكون عليه الشباب المسلم ذكوراً وإناثاً فى سبيل الله عز وجل ومن أجل تحقيق مبادىء الإسلام وإقامة المجتمع المسلم ’ فلا يكفى أن يكون الإنسان منطوياً على نفسه مقتصراً على عباداته ’ بل عليه ان يستنفد طاقاته وأوجه نشاطه كلها سعياً فى سبيل الإسلام ’ وتلك هى مزية الشباب فى حياة الإسلام و المسلمين فى كل زمن وعصر .
وإذا تأملت فيمن كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إبان دعوته وجهاده ’ وجدت أن أغلبيتهم العظمى كانوا شباباً لم يتجاوزوا المرحلة الأولى فى عمر شبابهم ’ ولم يألوا جهداً فى تجنيد طاقاتهم وقوتهم من أجل نصرة الإسلام وإقامة مجتمعه .
5- أمّا ما حدث لسراقة وفرسه وهو يلحق لبرسول الله صلى الله عليه وسلم فينبغى أن لا يفوتنا أنها معجزة خارقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إتفق أئمة الحديث على صحتها ونقلها وفى مقدمتهم البخارى ومسلم ’ فأضفها الى معجزاته الأخرى التى سبق الحديث عنها فيما مضى .
6- ومن أبرز المعجزات الخارقة فى قصة هجرته عليه الصلاة و السلام خروجه صلى الله عليه وسلم من بيئته وقد أحاط به المشركون يتربصون به ليقتلوه ’ فقد علق النوم بأعينهم جميعاً حتى لم يحس به أحد منهم ’ وكان من تتمة السخرية بتآمرهم على حياته ما إمتلأت به رؤسهم من التراب الذى ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوسهم إذ خرج من بينهم وهو يتلو قوله تعالى
وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) .
لقد كانت هذ المعجزة بمثابة اإعلان لهؤلاء المشركين وغيرهم فى كل عصر ووقت ’ بأن ما قد يلاقيه الرسول وصحبه من ألوان الإضطهاد و العذاب على أيديهم مدة من الزمن فى سبيل دينه ’ لا يعنى أنه قد تخلى عنهم وأن النصر قد إبتعد عن متناولهم ’ فلا ينبغى للمشركين وعامة أعداء الدين أن يفرحوا ويستبشروا بذلك ’ فإن نصر الله قريب وإن وسائل هذا النصر توشك أن تتحقق بين كل لحظة وأخرى .
7- وتكشف الصورة التى إستقبلت بها المدينة المنورة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مدى المحبة الشديدة التى كانت تفيض بها أفئدة الأنصار من أهل المدينة رجالاً و نساءاً وأطفالاً ’ لقد كانوا يخرجون كل يوم الى ظاهر المدينة ينتظرون تحت لفح الشمس وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ’ حتى إذا هبّ النهار ليدبر ’ عادوا أدراجهم ليعودوا إلى الإنتظار صباح اليوم التالى ’ فلما طلع الرسول عليهم جاشت العواطف فى صدورهم وانطلقت ألسنتهم تهتف بالقصائد و الأهازيج فرحاً لمرآه عليه الصلاة و السلام ومقدمه عليهم ’ ولقد بادلهم رسول الله صلى اله عليه وسلم نفس المحبة ’ حتى إنه جعل ينظر إلى ولائد بنى النجار من حوله ’ وهنّ ينشدنّ ويتغنين بمقدمه ’ قائلاً : أتحببننى ؟ والله إن قلبى ليحبكنّ .
يدلنا كل ذلك أن محبة رسول اله صلى الله عليه وسلم ليست فى مجرد الإتباع له ’ بل المحبة له هى أساس الإتباع وباعثه ’ فلولا المحبة العاطفية فى القلب لما وجد وازع يحمل على الإتباع فى العمل .
ولقد ضل قوم حسبوا أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها معنى إلا الإتباع و الإقتداء وفاتهم أن الإقتداء لا يأتى إلا بوازع ودافع ’ ولن تجد من وازع يحمل على الإتباع إلا المحبة القلبية التى تهز المشاعر وتستبد بالعواطف ’ ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقياس الإيمان بالله إمتلاء القلب بمحبته صلى الله عليه وسلم ’ بحيث تغدو متغلبة على محبة الولد والوالد و الناس أجمعين ’ وهذا يدل على أن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جنس محبة الولد و الوالد أى مصدر كل منهما العاطفة و القلب وإلا لم تصح المقارنة و التفضيل بينهما .
8- أما الصورة التى رأيناها فى مقامه صلى الله عليه وسلم عند أبى أيوب الأنصارى فى منزله ’ فتكشف لنا مظهر آخر من مظاهر محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه والسلام له .
والذى يهمنا من ذلك هنا ’ هو التأمل فى تبرك أبو أيوب وأم أيوب ’ بآثار أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قطعة الطعام ’ حينما كان يرد عليهما فضل طعامه ’ إذاً فالتبرك بآثار النبى صلى الله عليه وسلم مشروع قد أقره صلى الله عليه وسلم .
وقد روى البخارى ومسلم صوراً كثيرة من تبرك الصحابة بآثار النبى صلى الله عليه وسلم و التوسل بها للإستشفاء أو العناية و التوفيق وما شابه ذلك .
من ذلك ما رواه البخارى فى كتاب اللباس ’ فى باب ما يذكر فى الشيب ’ من أن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبى صلى الله عليه وسلم فى جلجل لها ( ما يشبه القارورة يحفظ فيه ما يراد صيانته ) فكان إذا أصاب أحد من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء ’ فجعلت الشعرات فى الماء ’ ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للإستشفاء و التبرك به.
ومن ذلك ما رواه مسلم فى كتاب الفضائل باب ( طيب عرقه صلى الله عليه وسلم ) أنه عليه الصلاة و السلام كان يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها وليست هى فى البيت ’ فجاء ذات يوم فنام على فراشها ’ فجاءت أم سليم وقد عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنقع عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت عتيدها فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره فى قواريرها ’ فأفاق النبى صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعين يا أم سليم ؟ فقالت يارسول الله : نرجو بركته لصبياننا ’ قال : أصبت )
ومن ذلك ما جاء فى الصحيحين من إستباق الصحابة إلى فضل وضوئه صلى الله عليه وسلم و التبرك بالكثير من آثاره كألبسته و القدح الذى كان يشرب به .
فإذا كان هذا شأن التوسل بآثاره المادية فكيف بالتوسل بمنزلته عند اللع عز وجل وكيف بالتوسل بكونه رحمة للعالمين ؟
ولا يذهبن بك الوهم إلى أننا نقيس التوسل على التبرك ’وأن المسألة لا تعدو أن تكون إستدلالا بالقياس ’ فإن التوسل و التبرك كلمتان تدلان على معنى واحد وهو إلتماس الخير و البركة عن طريق المتوسل به . وكل من التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم عند الله و التوسل بآثاره أو فضلاته أو ثيابه ’ أفراد وجزئيات داخلة تحت نوع شامل هو مطلق التوسل الذى ثبت حكمه بالأحاديث الصحيحة ’ وكل الصور الجزئية له يدخل تحت عموم النص بواسطة ما يسمى ب ( تنقيح المناط ) عند علماء الأصول .
ولنكتف من تعليقنا على قصة هجرته صلى الله عليه وسلم عند هذا القدر ’ لنتحدث بعد ذلك عن الأعمال الجليلة التى بدأ يقوم بها صلى الله عليه وسلم فى المجتمع الجديد فى المدينة المنورة .