جاء فى صحاح السنة وما رواه علماء السيرة أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه لما وجد المسلمين قد تتابعوا مهاجرين الى المدينة ’ جاء يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الآخر فى الهجرة ’ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
على رسلك ’ فإنى أرجو أن يؤذن لى ) فقال أبو بكر
وهل ترجو ذلك بأبى أنت وأمى ؟ ) قال
نعم ) فحبس ابو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه ’ وعلف راحلتين كانتا عنده ’ وأخذ يتعهدهما بالرعاية أربعة أشهر .
وفى هذه الأثناء رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صارت له شيعة وأصحاب غيرهم بغير بلدهم ’ فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وخافوا أن يكون قد أجمع لحربهم .
فاجتمعوا له فى دار الندوة ( وهى دار قصى ابن كلاب التى كانت قريش لا تقضى أمراً إلا فيها ) يتشاورون فيما يصنعون بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ فاجتمع رأيهم أخيراً على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً ’ ثم يعطى كل منهم سيفاً صارما ’ ثم يعمدوا اليه فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ’ كى لا تقدر بنو عبد مناف على حربهم جميعاً ’ وضربوا لذلك ميعاد يوم معلوم فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالهجرة ’ وينهاه أن ينام فى مضجعه تلك الليلة .
قالت عائشة رضى الله عنها فيما يروى البخارى : فبينما نحن يوماً جلوس فى بيت أبى بكر فى حر الظهيرة ’ قال قائل لأبى بكر
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً ’ فى ساعة لم يكن يأتينا فيها ) فقال أبو بكر
فداً أبى وأمى ’ والله ما جاء فى هذه الساعة إلا لأمر ) قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ فاستأذن ’ فأذن له ’ فدخل ’ فقال البنى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر : ( أخرج من عندك ) فقال أبة بكر
إنما هم أهلك بأبى أنت يا رسول الله ) ’ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنى قد أذن لى فى الخروج ) فقال أبو بكر : ( الصحبة يارسول الله ) ’ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
نعم ) فقال ابو بكر
فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى ) ’ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بالثمن ) .
قالت عائشة : فجهزناهما أحث جهاز ’ وصنعنا لهما سفرة فى جراب ’ فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب ’ فبذلك سميت ذات النطاق .
وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علىّ ابن أبى طالب رضى الله عنه فأمره أن يتخلف بعده بمكة ريثما يؤدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التى كانت عنده للناس ’ إذ لم يكن أحد من أهل مكة له شىء يخشى عليه إلا إستودعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من صدقه وأمانته . وأمر أبو بكر غبنه عبد الله أن يتسمّع لهما ما يقوله الناس عنهما فى بياض النهار ’ ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون معه من أخبار . وأمر عامر ابن فهيرة ( مولاه) أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها عليهما إذا أمسى إلى الغار ( غار ثور ) ليطعما من ألبانها ’وأمر أسماء بنته أن تأتيهما من الطعام بما يصلحهما فى كل مساء .
وروى ابن إسحاق والإمام أحمد ’ كلاهما عن يحى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير ’ عن أسماء بنت أبى بكر قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر ’ إحتمل أبو بكر ماله كله معه : خمسة آلاف درهم أو ستة ىلاف درهم ’ قالت وانطلق بها معه ’ قالت : فدخل علينا جدى أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال : والله إنى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه ’ قالت : قلت :كلا يا ابت ’ إنه قد ترك لنا خيراً كيثراً ’ قالت: فأخذت احجاراً فوضعتها فى كوة فى البيت الذى كان أبى يضع ماله فيها ’ ثم وضعت عليها ثوباً ’ ثم أخذت بيده ’ فقلت ياابت ضع يدك على هذا المال ’ فقالت: فوضع يده عليه ’ قال : لابأس ’ إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن ’ وفى هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئاً ولكنى أردت أن أسكت الشيخ بذلك .
ولما كانت عتمة تلك الليلة التى هاجر فيها النبى صلى الله عليه وسلم إجتمع المشركون على باب رسول اله صلى الله عليه وسلم يتربصون به ليقتلوه ’ ولكنه عليه الصلاة و السلام خرج من بينهم وقد ألقى الله عليهم سنة من النوم بعد أن ترك عليّاً رضى الله عنه فى مكانه نائماً على فراشه ’ وطمأنه بأنه لن يصل إليه أى مكروه .
وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الى غار ثور ليقيما فيه ’ وكان ذلك على الراجح فى اليوم الثانى من ربيع الأول الموافق 20 أيلول سنة ( 622 م ) بعد أم مضى ثلاثة عشر سنة من البعثة ’ فدخل أبو بكر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار ’ لينظر أفيه سبع أو حيّة ’ يقى رسول الله صلى اله عليه وسلم بنفسه ’ فأقاما فيه ثلاثة أيام ’ وكان يبيت عندهما عبد الله ابن أبى بكر يخبرهما بأخبار مكة ’ ثم يدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت بها ’ وكان عامر ابن فهيرة يروح عليهما بقطيعه من الغنم ’ فإذا خرج من عندهما عبد الله تبع عامر أثره بالغنم كى لا يظهر لقدميه أثر .
أما المشركون فقد إنطلقوا - بعد أن علموا بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينتشرون فى طريق المدينة يفتشون عنه فى كل المظان ’ حتى وصلوا الى غار ثور ’ وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أقدام المشركين تخفق من حولهم فأخذ الروع أبا بكر وهمس يحدث النبى صلى الله عليه وسلم : لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ’ فأجابه عليه الصلاة و السلام
يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ) ...
فأعمى الله أبصار المشركين حتى لم يحن لأحد منهم إلتفاتة الى ذلك الغار ولم يخطر ببال واحد منهم أن يتساءل عما يكون بداخله .
ولما إنقطع الطلب عنهما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ’ بعد أن جاءهما عبد الله ابن أرقط وهو من المشركين ’ كانا قد إستأجراه ليدلهما على الطرق الخفية الى المدينة بعد أن إطمأنا إليه ’ وواعداه مع الراحلتين عند الغار ) فسارا متبعين طريق الساحل بإرشاد من عبد الله بن أرقط ’ وكان قد جعل مشركوا مكة لكل من أتى برسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه ديّة كل منهما . وذات يوم ’ بينما كان جماعة من بنى مدلج فى مجلس لهم ’ وبينهم سراقة ابن جعشم ’ إذ اقبل إليهم رجل منهم فقال : إنى قد رأيت آنفاً أسودة بالساحل ’ أراها محمداً و أصحابه ’ فعرف سراقة أنهم هم ’ ولكنه أراد أن يثنى عزم غيره عن الطلب ’ فقال له : إنك قد رأيت فلاناً و فلانا ’ إنطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم . ثم لبث فى المجلس ساعة ’ وقام فركب فرسه ثم سار حتى دنا من رسول الله فعثرت به فرسه فخرّ عنها ’ ثم ركبها ثانية وسار حتى صار يسمع قراْة النبى صلى اله عليه وسلم وهو لا يلتفت ’ وأبو بكر يكثر الإلتفات ’ فساخت قائمتا فرس سراقة فى الأرض حتى بلغتا الركبتين ’ فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت ’ فلم تكد تخرج قدميها حتى سطع لأثرهما غبار إرتفع فى السماء مثل الدخان ’ فعلم سراقة أنه ممنوع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ’ وداخله رعب عظيم ’ فناداهما بالأمان .فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى وصل إليهم ’ فاعتذر إليه وساله أن يستغفر له ’ ثم عرض عليهما الزاد و المتاع ’ فقالا : لا حاجة لنا ’ ولكن عمّ عنا الخبر ’ فقال كفيتم .
ثم عاد سراقة أدراجه الى مكة وهو يصرف أنظار الناس عن الرسول ومن معه بما يراه من القول ..............
وهكذا إنطلق إليهما فى الصباح جاهداً فى قتلهما ’ وعاد فى المساء يحرسهما ويصرف الناس عنهما