الخط العربى ...... اصاله وروح

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لم تكن الشعوب لتعرف طريقها الى النور ما لم تتعرف على الاسلوب الامثل لاثبات شخصيتها ، فهي امام امتحان صعب اما ان تكون او لاتكون ، فقد استطاعت ان تلعب دوران مهمان في ان واحد فهي اولا كانت فاعلا وتحملت اعباء رفع الاستعدادات الذاتية لبني جلدتها ونقلتها الى عالم الوجود المعرفي ، وثانيا تحملت اعباء وقع الفعل فحملته بكل امانة الى الاجيال التالية فكان التاريخ كما عرفناه وقرأناه نقطة فاصلة بين المجهول والمعلوم يوم عرف بني البشر اساليب التفاهم والتعامل من خلال الرسومات الاولى والتي مابرحت حتى صارت فيما بعد حرفا .. فكلمة .. فكتابا .. فتاريخا .

اذن نحن امام اهم حدث عرفته البشرية على طول عمرها الضارب في عمق الازل ، فالكتابة هي الحدث الاكثر اثارة في حياة بني الانسان ، فبها استطاع ان ينظم حياته في كل جوانبها ابتداءا من العمل الاقتصادي الى الحربي الى المعرفي الى كل ما له صلة بحركته اليومية . وهكذا تطورت حتى تجاوزت الحالة اليومية والتي تقضى بها حوائجه حتى اخذ يفكر بمستوى انضج من السابق وهو كيف يحفظ القيم والمباديء التي تحفظ له ديمومة العيش بما يتناسب ووضعه الجديد الذي فرضته عليه استحقاقات مرحلة الكتابة ، ومعها تطور الحس البشري من الحاجة اليومية الى تذوق اشكال التعبير الصورية والتي عرفت فيما بعد بالكتابة ، فاخذ يتفنن في ابرازها كقيمة جمالية اضافة الى ما ذكرنا من استخدامه لمفردات القيم والمباديء التي كان يؤمن بها .

فالخط العربي مر بمخاضات عديدة اعسر من اي مخاض مر على باقي الفنون لانه الاقرب الى حاجة الانسان الفطرية سواء على مستوى الظهور المادي والحياتي او على المستوى الروحي وطرق السير المعنوية التي عرفها اهل السلوك الى الباري تعالى ، فلذلك نرى هذا التعدد في اشكال الحروف واتصالاتها وتراكيبها والمساحات التي تشغلها من خلال حضورها في اللوحة ومنها تعددت اساليب العمل الفني الخطي ، فمن الكتابة باسلوب السطر والصفحة المتعارف عليه في وقت النساخين حينما كانوا يؤدون وظيفة الاستنساخ لكتب العلوم والمعارف المختلفة الى جانب كتابة المصحف الشريف والذي يعتبر الوظيفة الاساسية لهؤلاء النساخين ، ثم الانتقال الى كتابة النص المؤثر منفردا لتؤدي اللوحة في هذه المرحلة دور الوعظ والارشاد والتوجيه المباشر باسلوب فني اخاذ .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

من هنا بدأ الفنان المسلم بالتفكير باظهار الاساليب الاكثر جمالا والاكثر انسجاما مع الذوق الصوفي والروحي الذي يميل اليه المجتمع المسلم ، فاخذ يصور النصوص في قوالب هندسية مختلفة فمرة نرى النص يأخذ شكل المربع واخرى دائريا وفي الثالثة مثلثا او استخدام الاشكال الاكثر تعبيرا من قبيل القباب والمحاريب والمنائر بل زاد على ذلك استخدامه للحروف كوحدات زخرفية فاظهر كتابات غاية في الابداع ، وبذلك تصاعدت وتيرة العمل الفني الخطي حتى وصلت الى مرحلة التشكيل فبدأت تظهر استخدامات الحرف العربي في اعمال التشكيليين من اصحاب الحداثة وهنا تأتي الملاحظة وهي ان ليس كل لوحة تشكيلية يظهر فيها الحرف جليا هي حالة ابداعية وتطويرية في مجال الخط العربي ، فالكثير ممن ولجوا هذه الاجواء انما كانوا اما بدافع ركوب موجة الحداثة وقلة الخبرة وبالتالي استسهال صناعة اللوحة او الهروب من صرامة القاعدة الخطية والتي ضلت صامدة لقرون عديدة وماتزال تشكل السر في جمال الحرف العربي ماجعله متقدما على باقي حروف وابجديات اللغات الاخرى في العالم ، وهذا يقودنا الى احترام العقلية الفذة التي كانت وراء هذا الانجاز المذهل والذي قد لايؤتى بمثله لقرون عديدة قادمة .

ولاننسى الابداعات التي قدمها بعض الخطاطين التشكيليين والذين ابرزوا في لوحاتهم قوة الحرف العربي وانسجامه مع كل اساليب صناعة اللوحة الحديثة وتكنيكاتها اخذين بنظر الاعتبار ابعاده الجمالية من خلال رسمه وفق قواعده المعهودة والتي مازالت مثار جدل ونقاش في امكانية تجاوزها او الاتيان باجمل منها في المستقبل . وهذا مرهون بمستوى العقول التي ستتبنى هكذا مشروع .

من هنا ندعو الى الوقوف امام كل المحاولات الداعية الى الترويج لاستخدام ابجديات اخرى لاغية هذا الجهد الضارب باصوله في عمق الزمان والمنسجم مع التطلعات الروحية والذوقية للمجتمع المسلم ، وكذلك كل محاولات التشويه التي يستخدمها مدعوا الحداثة من الحروفيين والذين لم ينطلقوا من اسس فنية رصينة جهلا منهم لاصول التطوير والابداع التي لابد من توافرها فيمن اراد الدخول الى عالم التجديد في مجال الحرف العربي داعين الجهات المعنية الى ممارسة دورها المسؤول في الدفاع عن هذا الفن الاصيل .