* ما قاله تلاميذه عنه في معرض الوفاء له سنة 1991 ... ** محمد صيام "الإنسان والفنان": في صيف عام 1983، أقيم معرض للخط العربي في جامعة بيت لحم في الذكرى العاشرة لتأسيسها، فقمت بتصوير جميع اللوحات المشاركة في هذا المعرض، حيث ظهرت في كتاب شامل صدر عن الجامعة – كان للمرحوم محمد صيام النصيب الأكبر من هذه اللوحات – بعيد المعرض، قمت بزيارته في بيته وأهديته نسخة من صور لوحاته، وعرضت عليه بعضاً من خطوطي، فرحب بي أشد ترحيب للتتلمذ على يديه، بدأت بزيارته في مرسمه كل يوم تقريباً، أنهل من علمه وفنه، حتى أني ما زلت أحتفظ بأول أوراق التمارين التي زينها بتصويباته، فكانت له نظرة الفنان المبدع والأستاذ المتمكن من دقائق الأسرار في هذا الفن، أحرزت من التقدم في هذا الفن بسبب توجيهاته في مدة وجيزة أكثر مما كنت قد حققته خلال عشر سنين من التدريب الذاتي والمحاكاة. بعد مدة من التدريب المنتظم جاوزت نصف العام اقترحت عليه إقامة دورة موسعة لعشاق هذا الفن – حيث كنت أول طالب ينهل من فنه ويتدرب على يديه بشكل منتظم – فرحب بذلك أعظم ترحيب، انتظمت الدورة مرة كل أسبوع إلى آخر أيامه – رحمه الله – فتخرج العديد من الطلاب على يديه ممن يعول عليهم حمل الراية من بعده. كانت حصة الدرس أشبه ما تكون بندوة فنية أدبية، لم يكن – رحمه الله – يكتفي بتبيان النواحي الجمالية والفنية في أشكال وتراكيب حروف الآيات القرآنية التي كان يخطها لنا على السبورة لمحاكاتها والتدرب عليها بخط الثلث وغيره من أنواع الخطوط الأخرى، بل كان يحرص كل الحرص على تبيان مواطن الجمال في لغة هذه الآيات، فكانت حصة الدرس منتدى أدبياً في النحو والبلاغة والبيان، لقد ساعد طول باعه في هذه المواضيع في إثراء دورات الخط بشكل متميز. كان – رحمه الله – خفيف الظل، حسن المعشر، كثير الدعابة مع طلابه، يلاطفهم ويمازحهم، وكأنه أحد أترابهم، كان يعاملنا باحترام شديد ويقدر فينا مواهبنا، ونحن نكن له كل المحبة والتقدير ونجل علاقة الأستاذية نحوه. كان متواضعاً يحب فينا التواضع، كريماً نحونا، لم يبخل علينا يوماً في معلومة من علومه أو سر من أسرار الكتابة الخطية، لم يبخل علينا أبداً في مرجع من المراجع الخطية التي تعمر مكتبته، وكان شعاره أبداً قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – "كاتم العلم ملعون". لم يبخل أبداً في علم مهما عظم، فقد كان مكتب وبيته مفتوحين على الدوام لكل صاحب موهبة أو اهتمام. كان مكتبه بمثابة نواة لمدرسة متخصصة في فنون الخط العربي، تلك المدرسة التي طالما كانت حلماً يراوده ويعمل جاهداً على تحقيقه. لقد بلغ مدى حبه لتلاميذه وتقديره لكتاباتهم إن كان ينعتهم بأسماء عظام الخطاطين، فمن يتقن الخط الديواني ينعته بمصطفى غزلان، ومن يتقن الرقعة ينعته بمحمد عزت أو عبد الرازق عوض، ومن يتقن الثلث ينعته بمصطفى الراقم أو سامي أفندي أو حليم ... وهكذا، مما يشيع في نفس الطالب الأمل والإصرار على التقدم والتطور. كانت فرحته عظيمة عندما حصل اثنين من طلابه على جوائز تشجيعية في مسابقة الخط الدولية الثانية في استانبول عام 1989، فحمد الله كثيراً على أن البذرة التي زرعها فينا قد نمت وترعرعت. الخطاط عبد الله العزة/ دار الخط العربي
|