رسالتنا الإسلامية.. بإي شكل يجب أن تكون؟
إن للحضارة الغربية بأفكارها ومفاهيمها وكيانها الثقافي عامة قاعدة فكرية تستند اليها وهي (الديمقراطية) أو بالأحرى الحريات الرئيسية في المجالات الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية.
فإن هذه الحريات بمفهومها الحضاري الغربي هو حجر الزاوية في ثقافة الغرب والإطار الفكري الذي تدور في نطاقه الافكار والمفاهيم الغربية عن الانسان والحياة والكون والمجتمع , وحتى انه لعب دورا رئيسيا في تحديد الاتجاه العام لمفكري الغرب فيما يسمونه بالعلوم الانسانية والاجتماعية , فلم تستطع البحوث الانسانية لهؤلاء المفكرين أن تتجرد عن تاثير الرسالة التي يعتنقها الباحثون كقاعدة عامة.
وليس تأثر قوانين الاقتصاد السياسي بالحرية الاقتصادية وتأثر الاتجاهات السيكولوجية لبعض مدارس علم النفس التحليلي التي يتزعمها فرويد وغيره من اللاشعوريين بالحرية الشخصية الا من الامثلة الواضحة لما تؤكد عليه من الصلة الوثيقة بين افكار الحضارة الغربية وبين القاعدة الفكرية التي تستند إليها ورسالتها الاجتماعية التي تدعو وتبشر بها .
وكذلك الامر تماما فيما يتصل بالحضارة الماركسية التي تنافس الحضارة الرأسمالية في كل الميادين , فإن رسالتها الفكرية التي تدعو الى نظرة مادية معينة تجاه الكون والحياة والمجتمع والتاريخ , هي القطب المركزي الذي ينعكس الى حد – قصير أو طويل - في كل المفاهيم والافكار الحضارية التي تتبناها الماركسية ويؤمن بها مفكروها .
ونحن بطبيعة الحال لا نعني من احتلال الرسالة مركز القاعدة من التفكير في الحضارة الاوروبية , ان الرسالة إستطاعت أن تكون مباشرة بكل ما يحتاجه من مفاهيم ومعارف في كل الحقول والميادين , الى الدرجة التي تصبح كل معرفة منبثقة عن الرسالة , ومتفرعة عن القاعدة الرئيسية المفترضة , بل الواقع أن وضع الرسالة في الموضع الرئيسي من التفكير الحضاري , انما يعني محاولة التوفيق بين جوهر الرسالة وروحها وبين الافكار الحضارية المتبناة , اذ من المنطقي والطبيعي انه ما دامت الرسالة صحيحة فعليها أن ترفض كل فكرة تتصل بالميادين الانسانية اذا كانت تناقض تلك الرسالة , فالأفكار التي تتكون منها كل حضارة ذات رسالة تخضع لمقاييس تلك الرسالة وتتجنب مناقضتها سواء اكانت مستنبطة منها ام لا .
هذا هو الواقع الذي يتبين بكل وضوح لدى دراسة كل من الكيانين الحضاريين المتصارعين اليوم على مسرح التفكير الاوروبي .
وأما موقفنا من هذا الواقع فهو :
اولا : أن نكون على حظ عظيم من الدقة والوعي حينما نبحث عن الافكار الاوروبية , لاجل أن نستطيع تعريتها عن اطارها الرسالي , والتعرف على مدى صلتها بهذا الاطار وتاثرها به.
وهذا هو الموقف الوسط الذي يجب أن يقفه المسلم الواعي من كل تفكير أوروبي يتصل – من قريب أو بعيد – بالحقول التي تعالجها الرسالة وتمتد اليها القاعدة الفكرية , فليس من الصحيح إغفال هذه الناحية الخطيرة – ناحية الصلة بين الفكر ودراسة الفكر – بغض النظر عما قد يكون لها من إطار خاص أو قد يكون فيها من استيحاءات مستمدة من القاعدة الفكرية , كما يفعل كثير من الباحثين المسلمين اليوم مع افكار كثير من علماء الاجتماع والنفس والتاريخ الاوربيين , فإن اول نقطة يجب التاكد منها قبل كل شئ هي البحث عن مدى صلة الفكرة المبحوث عنها بالقاعدة التي تبث لدينا خطأها , وعلى ضوء هذه الصلة يجب أن تتركز نظرتنا الى الفكرة والحكم لها أو عليها بما نستخلصه من البحث والدراسة.
كما أنه ليس من الصحيح أيضا ما يتجه إليه بعض الدعاة المسلمين من الحكم على كل تفكير اوروبي يتصل بالحياة الانسانية بأنه خطأ لانه مستنبط من القاعدة , وما دامت القاعدة خطأ فما يستنبط منها خطأ ايضا.
فإن استنباط الفكرة من القاعدة – في المجالات النظرية - لا يعني انها مستنتجة منها استنتاجا , ومتوقفة في مصيرها على القاعدة نفسها , وإنما يعني أن الفكرة صيغت بالشكل الذي لا يتناقض مع تلك القاعدة , سواء أكانت مستمدة منها بصورة مباشرة ام لا , والقاعدة إن كانت خطأ ولكن ليس من الضروري في كل فكرة لا تتناقض مع الخطأ أن تكون خطأ .
وثانيا : من واجب المسلمين الواعين أن يجعلوا من الإسلام قاعدة فكرية وإطارا عاما لكل ما يتبنون من افكار حضارية ومفاهيم عن الكون والحياة والانسان والمجتمع,ولا شك ان العقيدة الدينية لما كانت تعيش اليوم في نفوس كثير من الناس مجردة عن وعي حقيقي يسندها , نجد ان جمهرة من المسلمين لا يعون المكان الطبيعي الذي يجب أن تحتله رسالتنا الفكرية الاصيلة من التفكير العام .
وليس هذا الفرق الذي نجده بين رسالتا الاسلامية والرسالات الاوروبية في مواضعها من التفكير العام ناشئا عن طبيعة تلك الرسالة وإنما هو نتيجة الاختلاف فيما يرافق كل رسالة في ذهنية اصحابها من درجة الوعي والشعور ولا شك أن هذا الاحساس الأليم بالحاجة الرسالة البناءة في كل الميادين الفكرية والعلمية , هذا الاحساس الذي يسيطر على الامة , وان هذه اليقطة الخيرة التي بدأت تباشيرها تبدو هنا وهناك , وان هذا الموج المعنوي المتزايد بدأ يفجر تيارا من الشعور الاسلامي , لا نشك في أن هذا كله يؤكد أن رسالتنا المقدسة إنما بدأت تسير في طريقها الى مركزها الطبيعي , الى مركز القاعدة الفكرية من الذهنية الاسلامية , وذلك حينما يستأنف المسلمون إيمانهم بالرسالة إيمان وعي لا إيمان تقليد , وإخلاصهم لها إخلاصا سطحيا يعتمد على الوراثة والبيئة فحسب.
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) (فصلت/53).
منقول من الرسالة أون لاين